Baca Juga : Qasidah Burdah
Maulid Al Barzani
أبتدىء الإملاء باسم الذات العلية مستدراً فيض البركات على ما أناله وأولاه * وأثنى بحمد موارده سائغة هنية ممتطياً من الشكر الجميل مطاياه * وأصلي وأسلم على النور الموصوف بالتقدم والأولية المتنقل في الغرر الكريمة والجباه * واستمنح الله تعالى رضواناً يخص العترة الطاهرة النبوية ويعم الصحابة والأتباع ومن والاه * وأستجديه هداية لسلوك السبل الواضحة الجلية وحفظاً من الغواية في خطط الخطاء وخطاه * وأنشر من قصة المولد النبوي بروداً حساناً عبقرية ناظماً من النسب الشريف عقداً تتحلى المسامع بحلاه * وأستعين بحول الله تعالى وقوته القوية فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله
عطر اللهم روضه الشريف بعرف شذي من صلاة وتسليم
اللهم صل وسلم وبارك عليه
فأقول : هو سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب واسمه شيبة الحمد حمدت خصاله السنية ، ابن هاشم واسمه عمرو بن عبد مناف واسمه المغيرة الذي ينتمي الارتقاء لعلياه * ابن قصي واسمه مجمع سمي بقصي لتقاصيه في بلاد قضاعة القصية ، إلى أن أعاده الله تعالى إلى الحرم المحترم فحمى حماه * ابن كلاب واسمه حكيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر واسمه قريش وإليه تنسب البطون القرشية ، وما فوقه كناني كما جنح إليه الكثير وارتضاه * ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس وهو أول من أهدى البدن إلى الرحاب الحرمية وسمع في صلبه النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الله تعالى ولباه * ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، وهذا سلك نظمت فرائده بنان السنة السنية ، ورفعه إلى الخليل إبراهيم عليه السلام أمسك عنه الشارع وأباه * وعدنان بلا ريب عند ذوي العلوم النسبية ، إلى الذبيح إسماعيل عليه السلام نسبته ومنتماه * فأعظم به من عقد تألقت كواكبه الدرية ، كيف لا والسيد الأكرم صلى الله عليه وسلم واسطته المنتقاة
ولما أراد الله تبارك وتعالى إبراز حقيقته المحمدية ، وإظهاره جسماً وروحاً
بصورته ومعناه * نقله إلى مقره من صدفة آمنة الزهرية ، وخصها القريب المجيب بأن تكون أماً لمصطفاه * ونودي في السموات والأرض بحملها لأنواره الذاتية ، وصبا كل صب لهبوب صباه * وكسيت الأرض بعد طول جدبها من النبات حللاً سندسية ، وأينعت الثمار وأدنى الشجر للجاني جناه * ونطقت بحمله كل دابة لقريش بفصاح الألسن العربية ، وخرت الأسرة والأصنام على الوجوه والأفواه * وتباشرت وحوش المشارق والمغارب ودوابها البحرية ، واحتست العوالم من السرور كأس حمياه * وبشرت الجن بإظلال زمنه وانتهكت الكهانة ورهبت الرهبانية ، ولهج بخبره كل حبر خبير وفي حلا حسنه تاه * وأوتيت أمه في المنام فقيل لها : إنك قد حملت بسيد العالمين وخير البرية ، فسميه إذا وضعته محمداً لأنه ستحمد عقباه
ولما تم من حمله شهران على مشهور الأقوال المروية ، توفي بالمدينة المنورة أبوه عبد الله * وكان قد اجتاز بأخواله بني عدي من الطائفة النجارية ، ومكث فيهم شهراً سقيماً يعانون سقمه وشكواه * ولما تم من حمله على الراجح تسعة أشهر قمرية ، وآن للزمان أن ينجلي عنه صداه * حضر أمه ليلة مولده الشريف آسية ومريم في نسوة من الحظيرة القدسية ، فأخذها المخاض فوضعته صلى الله عليه وسلم نوراً يتلألأ سناه
وبرز صلى الله عليه وسلم واضعاً يديه على الأرض رافعاً رأسه إلى السماء العلية مومياً بذلك الرفع إلى سؤدده وعلاه * ومشيراً إلى رفعة قدره على سائر البرية وأنه الحبيب الذي حسنت طباعه وسجاياه * ودعت أمه عبد المطلب وهو يطوف بهاتيك البنية فأقبل مسرعاً ونظر إليه وبلغ من السرور مناه * وأدخله الكعبة الغراء وقام يدعو بخلوص النية ويشكر الله تعالى على ما من به عليه وأعطاه * وولد صلى الله عليه وسلم نظيفاً مختوناً مقطوع السر بيد القدرة الإلهية طيباً دهيناً مكحولة بكحل العناية عيناه * وقيل ختنه جده عبد المطلب بعد سبع ليال سوية وأولم وأطعم وسماه محمداً وأكرم مثواه
وظهر عند ولادته خوارق وغرائب غيبية إرهاصاً لنبوته وإعلاماً بأنه مختار الله تعالى ومجتباه * فزيدت السماء حفظاً ورد عنها المردة وذوو النفوس الشيطانية ورجمت نجوم النيران كل رجيم في حال مرقاه * وتدلت إليه صلى الله عليه وسلم الأنجم الزهرية ، واستنارت بنورها وهاد الحرم ورباه * وخرج معه صلى الله عليه وسلم نور أضاءت له قصور الشام القيصرية فرآها من بطاح مكة داره ومغناه * وانصدع الإيوان بالمدائن الكسروية الذي رفع أنوشروان سمكاه وسواه * وسقط أربع وعشر من شرفاته العلوية ، وكسر ملك كسرى لهول ما أصابه وعراه * وخمدت النيران المعبودة بالممالك الفارسية لطلوع بدره المنير وإشراق محياه * وغاضت بحيرة ساوة وكانت بين همذان وقم من البلاد العجمية وجفت إذ كف واكف موجها الثجاج ينابيع هاتيك المياه * وفاض وادي سماوة وهي مفازة في فلاة وبرية لم يكن بها قبل ماء ينقع للظمآن اللهاه * وكان مولده صلى الله عليه وسلم بالموضع المعروف بالعراص المكية والبلد الذي لا يعضد شجره ولا يختلى خلاه * واختلف في عام ولادته صلى الله عليه وسلم وفي شهرها وفي يومها على أقوال للعلماء مروية والراجح أنها صبيحة يوم الاثنين ثاني عشر شهر ربيع الأول من عام الفيل الذي صده الله تعالى عن الحرم وحماه
وأرضعته صلى الله عليه وسلم أمه أياماً ثم أرضعته ثويبة الأسلمية التي أعتقها أبو لهب حين وافته عند ميلاده عليه الصلاة والسلام ببشراه * فأرضعته مع ابنها مسروح وأبي سلمة وهي به حفية وأرضعت قبله حمزة الذي حمد في نصرة الدين سراه * وكان صلى الله عليه وسلم يبعث إليها من المدينة بصلة وكسوة هي بها حرية إلى أن أورد هيكلها رائد المنون الضريح وواراه * قيل على دين قومها الفئة الجاهلية وقيل أسلمت أثبت الخلاف ابن مندة وحكاه * ثم أرضعته صلى الله عليه وسلم الفتاة حليمة السعدية وكان قد رد كل من القوم ثديها لفقرها وأباه * فأخصب عيشها بعد المحل قبل العشية ودر ثديها بدر در لبنه اليمين منهما ولبن الآخر أخاه * وأصبحت بعد الهزال والفقر غنية وسمنت الشارف لديها والشياه * وانجاب عن جانبها كل ملمة ورزية وطرز السعد برد عيشها الهني ووشاه
وكان يشب في اليوم شباب الصبي في الشهر بعناية ربانية فقام على قدميه في ثلاث ومشى في خمس ، وقويت في تسع من الشهور بفصيح النطق قواه * وشق الملكان صدره الشريف لديها وأخرجا منه علقة دموية وأزالا منه حظ الشيطان وبالثلج غسلاه * وملآه حكمة ومعاني إيمانية ثم خاطاه وبخاتم النبوة ختماه * ووزناه فرجح بألف من أمته أمة الخيرية ونشأ صلى الله عليه وسلم على أكمل الأوصاف من حال صباه * ثم ردته إلى أمه وهي به غير سخية حذراً من أن يصاب بمصاب حادث تخشاه * ووفدت عليه حليمة السعدية في أيام خديجة السيدة الرضية فحباها من حبائه الوافر بحياه * وقدمت عليه يوم حنين فقام إليها وأخذته الأريحية وبسط لها من ردائه الشريف بساط بره ونداه * والصحيح أنها أسلمت مع زوجها والبنين والذرية وقد عدهما في الصحابة جمع من ثقاة الرواة
ولما بلغ صلى الله عليه وسلم أربع سنين خرجت به أمه إلى المدينة النبوية ثم عادت فوافتها بالأبواء أو بشعب الحجون الوفاة * وحملته حاضنته أم أيمن الحبشية التي زوجها بعد من زيد بن حارثة مولاه * وأدخلته على عبد المطلب فضمه إليه ورق إليه وأعلا رقيه وقال إن لابني هذا شأناً عظيماً ، فبخ بخ لمن وقره ووالاه * ولم تشك في صباه جوعاً ولا عطشاً قط نفسه الأبية وكثيراً ما غدا فاغتذى بماء زمزم فكفاه * ولما أنيخت بفناء جده عبدالمطلب مطايا المنية كفله عمه أبو طالب شقيق أبيه عبد الله * فقام بكفالته بعزم قوي وهمة وحمية وقدمه على النفس والبنين ورباه * ولما بلغ صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة سنة رحل به عمه أبو طالب إلى البلاد الشامية وعرفه الراهب بحيرا بما حازه من وصف النبوة وحواه * وقال إني أراه سيد العالمين ورسول الله ونبيه قد سجد له الشجر والحجر ولا يسجدان إلا لنبي أواه * وإنا لنجد نعته في الكتب القديمة السماوية وبين كتفيه خاتم النبوة قد عمه النور وعلاه * وأمر عمه برده إلى مكة تخوفاً عليه من أهل دين اليهودية فرجع به ولم يجاوز من الشام المقدس بصراه
ولما بلغ صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين سنة سافر إلى بصرى في تجارة لخديجة الفتية ومعه غلامها ميسرة يخدمه ويقوم بما عناه * ونزل تحت شجرة لدى صومعة نسطورا راهب النصرانية فعرفه إذ مال إليه ظلها الوارف وآواه * وقال ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي ذو صفات تقية ورسول قد خصه الله بالفضائل وحباه * ثم قال لميسرة أفي عينيه حمرة استظهاراً للعلامة الخفية فأجابه بنعم فحق لديه ما ظنه وتوخاه * ثم قال لميسرة لا تفارقه وكن معه بصدق وعزم وحسن طوية فإنه ممن أكرمه الله تعالى بالنبوة واجتباه * ثم عاد إلى مكة فرأته خديجة مقبلاً وهي بين نسوة في علية وملكان على رأسه الشريف من ضح الشمس قد أظلاه * وأخبرها ميسرة بأنه رأى ذلك في السفر كله وبما قاله الراهب وأودعه إليه من الوصية وضاعف الله في تلك التجارة ربحها ونماه * فبان لخديجة بما رأت وما سمعت أنه رسول الله إلى البرية فَخَطَبَتْهُ لنفسها لتشمَّ من الإيمان به طِيب رَيَّاه * فَأَخبَرَ أَعمامهُ بما دَعتهُ إليه هذه البَرَّة ُالنقيَّة ، فَرغِبُوا فيها لِفَضْلٍ ودِينٍ وجَمالٍ ومال وحَسبٍ ونسب كُلُّ من القَومِ يَهوَاه * وخَطبَ أبو طالب وأثنى عليه صلى الله عليه وسلم بعد أن حَمِدَ الله بمحامِدَ سنيَّة ، وقال : وهُو والله بَعْدُ له نَبأ ٌعظيمٌ ، يُحمَدُ فيه سُرَاه * فزوَّجها منه عليه الصلاة والسلام أبُوها ، وقيل : عمُّها ، وقيل : أخوها لسابق سعادتها الأزليَّة ، وأوْلَدَها كُلَّ أولادِه إلاً الذي باسم الخليل سَمَّاه
ولمَّا بلغ صلى الله عليه وسلم خمساً وثلاثين سنة ًبَنَت قُريشٌ الكعبة لإنصِداعِهَا بالسُّيول الأبطحية ، وتَنَازَعُوا في رَفِع الحجر الأسود ، فكلٌّ أراد رَفعَهُ ورجاه * وعَظُمَ القِيلُ والقَالُ ، وتحالفُوا على القِتَال ، وقَوِيَتْ العصبية ثمَّ تداعوا إلى الإنصاف ، و فوَّضوا الأمر إلى ذِي رَأيٍ صَائِبٍ وأَنَاه ، فَحَكَم بتحكيم أَوَّلِ دَاخلٍ من باب السَّدنة الشَّيبيَّة ، فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم أَوَّلَ دَاخلٍ ، فقالوا : هذا الأمين ، وكُلُّنا يقْبلهُ ويرْضَاه * وأخبروه بأنهم رَضُوه أن يكون صَاحِبَ الحُكْم في هذا المُلِمِّ وَوَليّه ، فوضع الحجر في ثَوبٍ ، ثم أَمَر أَن تَرفَعهُ القبائل جميعاً إلى مُرتَقاه * فَرَفعُوهُ إلى مَقَرّهِ من رُكنِ هاتيك البَنِيَّة ، ووضعه صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة في موضعه الآن وبَنَاه
ولمَّا كَمُل صلى الله عليه وسلم أربعون سَنة ًعلى أوفق الأقوال المروية ، بَعثَه الله تَعالى للعالمين بشيراً ونذيراً فَعَمّهم بِرُحْمَاه * وَبُدِىءَ إلى تمام ستة أشهر بالرؤيا الصادقة الجلية ، فكان لا يَرى رُؤيا إلا جاءت مثل فَلَقِ صُبحٍ ضَاء سَناه * وإنما ابتُدىءَ بالرؤيا تمريناً للقُوى البشرية ، لئلا يَفْجَأَهُ المَلَكُ بِصَريحِ النُّبوةِ ، فلا تَقْواه قُوَاه * وَحُبِّبَ إليه الخَلاءُ ، فكان يَتَعَبَّدُ بحراءٍ الليالي
العدَدِية ، إلى أن أَتاهُ فيه صَرِيحُ الحقِّ ووَافَاه * وذلك في يوم الاثنين لسبعَ عشرة َخلت من شهر الليلة القَدرِية ، وثَمَّ أقوالٌ :لسبعٍ ، أو لأربع وعشرين منه ، أو لثمانٍ خلت من شهر مولده الذي بدا فيه بَدرُ مُحَيّاه * فقال له : اقرأ ، فأبى فَغَطَّهُ غطّةً قَويّةً، ثمّ قال له : اقرأ ، فأبى فَغطَّهُ ثانية حتى بلغ منه الجهد وغطاه ثم قال له اقرأ فأبى فغطه ثالثة ليتوجَّه إلى ما سَيُلْقى إليه بِجَمْعيه ، وَيُقَابلهُ بِجِدٍّ واجتهادٍ ويتلقاه * ثمَّ فَتَرَ الوحي ثلاث سنين ، أو ثلاثين شهراً ، ليشتاق إلى انتشاق هَاتِيكَ النَّفَحَاتِ الشَّذيَّة ، ثُمَّ أُنْزِلت عليه يَا أَيُّهَا المُدَّثِّر فجاءهُ جِبْريلُ بها ونَادَاه * فكان لنبوَّته في تقدُّم اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ شَاهِدٌ على أنَّ لها السابقيَّة ، والتَّقدُّم على رسالته بالبشارة والنَّذارَةِ لمن دَعاه
وأوَّلُ من آمن به من الرِّجال : أبو بكرٍ صَاحبُ الغَار والصِّدِّيقيَّة ، ومن الصِّبيان : عَليٌّ ، و من النِّساء : خديجة التي ثبَّت الله بها قَلبهُ وَوَقَاه * ومن الموالي : زيد ابن حارثة ، ومن الأرقَّاء : بِلاَلٌ الذي عَذبه في الله أُميَّة ، وأَولاَهُ مَولاهُ أبو بكر من العِتْقِ ما أولاه * ثمَّ أَسلَمَ : عُثمان ، وسَعدٌ ، وسَعيدٌ ، وطَلحة ٌ، وابن عَوفٍ ، وابن العمَّة صَفِيَّة ، وغيرهم ممن أَنْهلَهُ الصدِّيق رَحِيق التَّصديق وَسَقاه * وما زَالت عِبادتهُ صلى الله عليه وسلم وأصحابه مَخْفِيَّة حتَّى أُنزِلَ عليه فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ فَجَهَرَ بِدُعاء الخَلْقِ إلى الله * ولم يَبْعُدْ منه قَومهُ حتَّى عَابَ آلهتهم وأَمَرَ بِرَفضِ ما سِوى الوحدانيَّة ، فَتَجرَّؤُا على مُبَارزَتهِ بالعَدَاوةِ و أذاه * واشتدَّ البَلاءُ على المسلمين ، فهاجروا في سنة خمسٍ إلى النَّاحية النَّجاشيَّة ، وَحَدِبَ عليه عمُّه أبو طالب ، فَهَابَهُ كُلٌّ من القَومِ وتَحامَاه * وفُرِضَ عليه قيام بعض السَّاعات الليليَّة ، ثمَّ نُسِخَ بقوله تعالى : فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ * وفُرِضَ عليه ركعتانِ بالغَداةِ وركعتانِ بالعَشِيَّة ، ثمَّ نُسِخ بإيجاب الصَّلوات الخَمْسِ في ليلةِ مَسْراه * ومات أبو طالب في نصف شوَّال من العاشرة وَعَظُمت بموته الرَّزيَّة ، وَتَلتهُ خديجة بعد ثلاثٍ ، وشدَّ البلاء على المسلمين وَثِيقَ عُراه ، وأَوقَعتْ قُريشٌ به صلى الله عليه وسلم كُلَّ أذيَّة ، وأَمَّ الطائف يَدْعُو ثَقِيفاً ، فلم يُحْسِنوا بالإجَابةِ قِرَاه * فأَغْروا به السُّفهاء والعَبيد فسبُّوهُ بألسنٍة بَذيَّة ، وَرَمَوَهُ بالحجارة حتَّى خُضِّبت بالدِّماء نَعْلاه * ثمَّ عاد إلى مكَّة حَزيناً ، فَسَألهُ مَلَكُ الجِبَال في إهلاك أهلها ذوي العَصَبيَّة ، فقال : ( إنِّي أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يَتَولاّه )
ثمَّ أُسريَ بِروحِه وجَسدهِ يَقظة ًمن المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ورِحَابهِ القُدسيَّة ، وعُرِجَ به إلى السَّموات ، فرأى آدم في الأُولى وقد جَلَّلَهُ الوَقَارُ وعلاه * وفي الثانية عيسى ابن البَتُولِ البرَّةِ النَّقيَّة ، وابن خَالتِهِ يَحيى الذي أُوتيَ الحُكْمَ في صِباه * وفي الثالثة يوسف الصِّدِّيق بصورته الجماليَّة ، وفي الرَّابعة إدريس الذي رَفع الله مَكانهُ وأعلاه * وفي الخامسة هارون المُحَبَّبَ في الأُمَّةِ الإسرائيليَّة ، وفي السَّادسة مُوسى الذي كَلَّمهُ الله ونَاجَاه * وفي السَّابعة إبراهيم الذي جاء رَبَّهُ بسَلامةِ القلب وحُسْنِ الطَّويَّة ، وحَفِظَه الله من نار النَّمرُوذِ وعَافاه * ثم إلى سِدْرَةِ المُنْتَهى إلى أن سَمِعَ صَرِيفَ الأقْلامِ بِالأمور المَقْضِيَّة ، إلى مَقَامِ المُكافَحَةِ الذي قَرَّبهُ الله فيه وأدناه * وأَماطَ لَهُ حُجُبَ الأنْوارِ الجَلالِية ، و أَرَاهُ بِعَيْنَيْ رَأسِهِ من حَضْرَةِ الرُّبُوبِيَّة ما أرَاه * وبَسَطَ له بسَاطَ الإدلال في المجَالي الذاتية ، وفَرَضَ عَليه وعلى أُمَّتِهِ خَمسينَ صلاة * ثمَّ انْهَلَّ سَحَابُ الفَضْلِ فَرُدَّتْ إلى خَمْسٍ عَمليَّة ، ولها أَجْرُ الخَمسين كَمَا شَاءهُ في الأزَلِ وقَضَاه * ثمَّ عَادَ في لَيْلَته وصَدَّقَهُ الصِّدِّيق بمسراه * وكُلُّ ذِي عَقْلٍ ورَويَّة ، وكَذبَتْهُ قُرَيْشٌ ، وارتَدَّ مَنْ أضَلّهُ الشَّيْطانُ وغْواه
ثم عَرَضَ نفسهُ على القَبَائِل بأَنَّه رَسُولُ الله في الأيام الموسِميَّة فآمَنَ به سِتَّة ٌمِن الأنْصارِ اخْتَصَّهُمُ الله بِرِضَاه * وحَجَّ مِنْهمْ في القَابِلِ إثنَا عَشَرَ رَجُلاً و بايعُوهُ بَيعة ًحَقِّيَّة ، ثم انْصَرَفُوا ، وظَهَرَ الإسلامُ بالمَدينةِ ، فكانت مَعْقِلَه ومَأوَاه * وقَدِمَ عليهِ في الثالث سَبْعونَ ، أوثلاثة ٌ، وامرأتانِ منَ القَبائلِ الأوسِيَّةِ والخَزرجِيَّة ، فبايَعُوهُ وأمَّرَ عليهم إثنا عشَرَ نقيباً جَحاجِحَةٍ سَراه * وهاجَرَ إليهم منْ مكَّة ذوُو الملَّة الإسلاميَّة ، وفارَقوا الأَوْطان ، رَغْبَة ًفيما أُعِدَّ لمن هجَرَ الكُفْرَ ونَاوَاه * وخافت قُرَيْشٌ أن يَلْحَقَ صلى الله عليه وسلم بِأصْحَابِهِ على الفَوْريَّة ، فَأْتَمَروا بِقَتْلِهِ ، فحفِظَهُ الله من كَيْدِهِم ونجَّاه * وقد أُذِنَ له في الهجرةِ ، فَرقَبَهُ المُشْرِكون لِيُورِدُوهُ بِزَعْمِهِم حِياضَ المَنِيَّة ، فَخَرَجَ عليهم ونَثَرَ على رُؤُوسِهِم التُّرابَ وحَثاهُ * وأَمَّ غارَ ثَوْرٍ وفازَ الصِّدِّيقُ فيه بالمَعِيَّة وأقاما فيه ثلاثاً تَحْمي الحَمائِمُ والعناكِبُ حِمَاه * ثُمَّ خَرَجَا منهُ وهو صلى الله عليه وسلم على خَيْرِ مَطِيَّة ، وتعرَّضَ له سُرَاقة ، فابتهَلَ فيه إلى الله ودَعاه * فَساخَتْ قَوائمُ يَعْبُوبِه في الأرْضِ الصُّلبةِ القَويَّة وسَألهُ الأمانَ ، فَمَنَحَهُ إيَّاه
ومَرَّ صلى الله عليه وسلم بقُدَيْدٍ على أمِّ مَعْبَدٍ الخُزاعِيَّة ، وأراد ابتياع لَحمٍ لبنٍ أو منها ، فلم يكن خِباؤُهَا لشيءٍ من ذلك حَواه * فنظرَ إلى شاةٍ في البيت قد خَلَّفَها الجَهْدُ عن الرَّعيَّة ، فاسْتَأذنها في حَلْبِها ، فأذِنَتْ وقالَتْ : لو كان بها حَلَبٌ لأصَبْناه * فَمَسَحَ الضِّرْعَ منها ودعَا الله مَوْلاه ووَلِيّه ، فَدَرَّتْ وحَلَبَ ، وسَقى كُلاًّ من القَومِ وأَرْواه * ثُمَّ حَلَبَ ومَلأَ الإِناءَ وغادرهُ لَدَيها آية ًجَلِيَّة ، فجاءَ أبو مَعْبَدٍ ورأى اللبنَ ، فَذهَبَ بِه العَجَبُ إلى أقصاه * وقالَ : أنَّى لَكِ هذا ، ولا حَلُوبَ بالبيتِ تَبِضُّ بقَطْرَةٍ لَبِنيَّة ؟ !فقالت : مَرَّ بِنا رَجُلٌ مُبارَكٌ كَذا وكذا جُثْمانُهُ ومَعْناه * فَقال هذا صاحِبُ قُرَيْش ، وأَقْسَمَ بِكلِّ آلهِيَّة بأنَّهُ لَو رَآهُ ، لآمَنَ به واتَّبَعَهُ ودَنَاه * وقَدِمَ صلى الله عليه وسلم المَدينَة َيَوْمَ الاثنين ثاني عَشَر رَبيع الأوَّل ، وأشْرَقَتْ به أرْجاؤُها الزَّكِيَّة وتَلَقَّاهُ الأنْصار ، ونَزَل بِقُبَاء وأسَّسَ مَسْجِدَها على تَقْواه
وكان صلى الله عليه وسلم أكْملَ النَّاسِ خَلْقاً وخُلُقاً ذا ذاتٍ وصِفاتٍ سَنيَّة ، مَرْبُوِعَ القامَةِ ، أبْيَضَ اللَوْنِ مُشْرَباً بِحُمْرَةٍ واسِعَ العَيْنَيْنِ أَكْحَلَهُما ، أَهْدَبَ الأَشْفارِ قَدْ مُنِحَ الزَّجَجَ حاجِباه * مُفَلَّجَ الأَسْنانِ ، واسِعَ الفَمِ حَسَنَهُ ، واسِعَ الجَبينِ ذا جَبْهَةٍ هِلالِيَّة ، سَهْلَ الخَدَّيْنِ يُرى في أَنْفِهِ بَعْضُ احْديْدابٍ ، حَسَنَ العِرْنَيْنِ أَقْناهُ * بَعِيدَ ما بَيْنَ المَنْكَبَيْنِ ، سَبْطَ الكَتِفَيْنِ ، ضَخْمَ الكَرادِيس ، قليلَ لحمِ العَقِب ، كَثَّ اللِّحْيَة ، عَظِيْمَ الرَّأْسِ ، شَعْرهُ إلى الشَّحْمةِ الأُذنيَّة ، وبَينَ كَتِفيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ قد عمَّه النُّورُ وعلاه * وعَرَقُهُ كاللُّؤلُؤ ، وعَرْفُهُ أطْيَبُ من النَّفَحاتِ المِسْكيَّة ، ويَتَكَفَّأْ في مِشيتِهِ ، كأَنَّما يَنْحَطُّ من صَببٍ ارتقاه * وكانَ يُصَافِحُ المُصافِحُ بِيَدِهِ فَيَجدُ منها سائرَ اليوم رَائِحة ًعَبْهَريَّة ، ويَضَعُها على رأسِ الصَبيِّ ، فَيُعْرفُ مَسُّهُ له من بين الصِّبْية ويُدْراه * يَتَلألأُ وَجْههُ الشَّريفُ تلألؤَ القمرَ في اللَّيلةِ البدريَّة ، يقول نَاعِتُهُ : لم أرَ قبلهُ ولا بَعدَه مِثلهُ ، ولا بَشَرٌ يَراه * وكان صلى الله عليه وسلم شَديدَ الحياءِ والتَّواضُع يَخْصِفُ نَعلُه ، ويَرْقعُ ثَوبه ، ويَحلِبُ شاتَهُ ، ويسيرُ في خِدمَةِ أَهلهِ بِسِيرَةٍ سَرِيَّة ، ويُحبُّ الفقراء والمساكين ويجلسُ معهُم ، وَيعودُ مَرضاهُم ويُشَيَّعُ جَنائزَهُم ، ولا يُحقُّرُ فقيراً أدَقعهُ الفقْرُ وأشْواه * ويقْبلُ المَعْذِرَةِ ، ولا يُقَابِلُ أحداً بما يكرهُ ، ويمشي مع الأرملةِ وذوي العُبُوديَّة ، ولا يَهابُ المُلُوكَ ، ويغضبُ لله تعالى ويَرضى لِرِضَاه * ويَمشي خَلفَ أصحابِه ويقول : ( خَلُّو ظَهري للملائكةِ الرُّوحانيَّة ) ، ويَركبُ البعيرَ ، والفَرسَ ، والبغلةَ ، وَحِماراً بعضُ المُلُوكِ إليه إهداه * ويَعُصِبُ على بطنِهِ الحجرَ من الجُوع ، وقد أُوتِيَ مَفاتيحَ الخَزائنِ الأرضيَّة ، وراوَدَتْهُ الجِبَالُ بأن تكون له ذهباً فَأباه * وكان صلى الله عليه وسلم يُقِلُّ اللَّغوَ ، وَيبدأ من لَقيهُ بالسلام ، وَيُطيلُ الصَّلاة ويُقصِّرُ الخُطَبَ الجُمَعِيَّة ، ويتألَّفُ أهلَ الشَّرفِ ، ويُكْرِمُ أهل الفَضْلِ ، ويَمزحُ ولا يقول إلاَّ حقَّاً يحِبُّه الله تعالى ويَرضاه * وها هنا وَقَفَ بِنَا جَوادُ المَقَالِ عن الاطِّرادِ في الحَلْبةِ البيانيَّة ، وبَلَغَ ظاعِنُ الإملاءِ في فَدافِدِ الإيضاحِ مُنْتَهاه
اللَّهُمَّ يا باسِط اليدين بالعَطِيَّة ، يا من إذا رُفِعتْ إليه أكُفُّ العَبدِ كَفاه * يا من تَنَزَّه في ذاتِه وصِفاتِه الأحَدِيَّة عن أن يكون له فيها نظائِرُ وأشْباه * يا من تفَرَّدَ بالبَقاءِ والقِدَمِ والأزَلِيَّة ، يا من لا يُرَجَّى غَيْرُهُ ، ولا يُعَوَّلُ على سِواه * يا من استَندَ الأنامُ إلى قُدرَتِه القَيُّومِيَّة ، وأرشَدَ بِفضْله من استَرْشَدَهُ واستَهداهُ * نَسْألكَ اللهم بِأنوارِكَ القُدْسِيَّة التي أزاحَتْ من ظُلُماتِ الشَّكِّ دُجاه * ونَتَوَسَّلُ إليكَ بشَرَفِ الذاتِ المُحَمَّدِيَّة ، ومن هو آخِرُ الأنبِياءِ بصُورَتِه وأوَّلُهُم بمَعْناه * وبآلِه كَواكِبُ أمْنِ البَرِيَّة ، وسفينَةِ السَّلامَةِ والنَّجاةِ * وبأصْحابه أُولِي الهِدايَةِ والأفْضَلِيَّة ، الذينَ بَذلوا نُفوسَهُمْ لله يبْتَغُونَ فَضْلاً من الله * وبِحَمَلَةِ شَرِيعَتِهِ أُولي المَناقِبِ والخُصوصِيَّة ، الذين اسْتَبْشَروا بنعْمَةٍ وفضل من الله * أن تُوَفِّقَنا في الأقْوالِ والأعْمالِ لإخْلاصٍ النَّيَّة ، وتُنجِح لِكُلٍّ من الحاضِرينَ مَطْلَبَهُ ومُناه ، وتُخَلِّصَنا من أَسْرِ الشَّهَواتِ والأدْواءِ القَلْبيَّة ، وتُحَقِّقَ لنَا من الآمال ما بِكَ ظَنَنَّاهُ * وتَكْفينا كُلَّ مُدْلَهِمَّةٍ وبَلِيَّة ، ولا تجْعَلْنا مِمَّنْ أهْواهُ هَواه * وتُدني لنا من حُسْنِ اليَقينِ قُطُوفاً دانِيَة ًجَنِيَّة ، وتَمْحُو عَنَّا كُلَّ ذنْبٍ جَنَيْناه * وتَعُمَّ جَمْعَنا هذا من خَزائِنِ مِنَحِكَ السَّنِيَّة ، بِرَحْمَةٍ ومَغْفِرَةٍ ، وتُديمَ عَمَّنْ سِواكَ غِناه * اللهُمَّ آمنِ الرَّوعاتِ ، وأَصْلِح الرُّعاةَ والرَّعِيَّة ، وأعْظِمِ الأجْرَ لِمن جَعَلَ هذا الخَيْر في هذا اليَوْمَ وأجْراه * اللهُمَّ اجْعَلْ هَذِا البَلْدَ َوسائرَ بِلادِ المُسلِمين آمِنَة ًرَخِيَّة ، واسْقِنا غَيْثاً يَعُمُّ انْسِيابُ سَيْبهِ السَّبْسَبَ ورُباه * واغْفِرْ لِناسِج هذهِ البُرُودِ المُحَبَّرة المَوْلديَّة ، سيدنا جَعْفَرِ من إلى البرزنجي نِسْبَتَهُ ومُنْتَماه ، وحَقِّقْ له الفَوْزَ بِقُرْبِكَ والرَّجاءَ والأُمنيَّة ، واجْعَلْ مَعَ المقَرَّبين مَقيلَهُ وسُكناه * واسْتُرْ له عَيْبه ، وعَجْزَهُ ، وحَصْره ، وعيَّه ، وكاتِبها وقارِئها ، ومن أَصَاخ سَمعه إليه وأصْغَاه * اللهم صَلِّ وسلِّم على أوَّلِ قابلٍ للتَّجلي من الحَقِيقَةِ الكُليَّة ، وعلى آله وصَحْبِهِ ومن نَصَرَهُ ووالاه ، ما شُنِّفتْ الآذانُ مِن وَصفِهِ الدُّرِّي بأقْراطٍ جَوْهَرِيَّة ، وتَحَلَّتْ صُدُورُ المَحافِل المُنِيفَةِ بِعُقُودِ حُلاه * وأفْضَل الصَّلاةِ والتَّسليم على سَيدنا مُحمدٍ خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين
سُبحان ربِّكَ ربِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون ، وسَلامٌ على المُرْسَلينَ ، والحَمدُ لله ربِّ العالمين
gampang-mudahan saja bacaan maulid diatas bermanfaat & menimbulkan kita semakin gemar bershalawat serta kian menyayangi Rasulullah SAW. wallahu a’lam.